روائع مختارة | روضة الدعاة | تاريخ وحضارة | ميزان المعاهدات.. في الإسلام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > تاريخ وحضارة > ميزان المعاهدات.. في الإسلام


  ميزان المعاهدات.. في الإسلام
     عدد مرات المشاهدة: 3541        عدد مرات الإرسال: 1

شروط عقود الصلح في الإسلام: كانت السيرة -ولا تزال- ملأى بالكنوز وكلها أمور واقعية، فصلح الحديبية قد حدث منذ ألف وأربعمائة عام ما زال له -وسبحان الله- تطبيق في كل يوم من حياتنا اليومية.

 وفي توضيح لذلك فقد بيَّن هذا الصلح كيف يكون عقد الصلح في الإسلام، وما شروطه، ونذكر من ذلك ما يلي:

 أولاً: أنه لم يكن فيه إقرار للمشركين على باطل، ولم يكن فيه تنازل عن شيء من الدين، وليس فيه إعطاء قريش أرضًا ليست لهم، أو الاعتراف لهم بها.

كما أن هذا الصلح لا يمنع المسلمين من التسلح وإعداد العُدَّة، وأيضًا لا يمنع المسلمين من عقد الأحلاف، كما أنه لا يأمر المسلمين بتغيير المناهج أو الثوابت.

وهذا هو الصلح في الإسلام.

ثانيًا: أن هذا العهد وهذا الصلح الذي تمَّ بين الرسولوقريش لم يُقِرّ الصداقة بين العدو والمسلمين، وإنما وضع الحرب فقط مدة عشر سنوات على بقاء الحالة كما كانت عليه (حالة العداوة) بين المشركين والمسلمين.

ثالثًا: أن هذا العقد إلى أَجَلٍ وهو عشر سنوات، وبعدها فبالإمكان أن نجلس معًا ونتفاوض من جديد، فإذا أردنا أن نمد الفترة مرة أخرى وإلا فلا، وليس هناك ما يسمَّى بسلام دائم، أو سلام مقرون بعودة الحقوق.

رابعًا: أن هذا العقد واضح البنود؛ إذ ليس فيه بند مبهم يحمل على أكثر من محمل؛ وذلك حتى يضمن المسلمون كافة حقوقهم ودون خداع من الطرف الآخر.

خامسًا: أن هذا العقد عُقد وكان للمسلمين قوة تستطيع أن تردع العدو إذا خالف أيًّا من بنود المعاهدة، أما إذا لم تكن هناك هذه القوة فلا معنى إذن للمعاهدة؛ إذ ماذا سوف يحدث لو خالف العدو هذه المعاهدة بعد ذلك وهي ما زالت في حيز التنفيذ؟ هل يذهب المسلمون إلى من يشتكونهم إليه أو يشجبون ويندبون، ويدعون هذا وذاك ليدافع عنهم؟ أم أن لهم قوة كافية لردع العدو ومعاقبته على الفور إذا خالف المعاهدة؟

 ولا شك أن الرسولكان عنده قوة الردع هذه، وسنرى أثر ذلك بعد عامين من تاريخ الصلح حين تخالف قريش وأحلافها من بني بكر المعاهدة، سنرى كيف سيردع الرسولقريشًا وأحلافها عندما يخالفون المعاهدة مع المسلمين.

 أما إذا كان المسلمون ضعافًا وحدثت مخالفة ولم يستطيعوا أن يردعوا المخالفين، فماذا سيكون الموقف؟ لا شك أنه سيكثر الاستهزاء والاستخفاف بهم. وهذا شيء طبيعي جدًّا حتى ولو كان قد تدخل طرف ثالث في المعاهدة لضمان تنفيذ الطرفين للبنود، ثم هل سيكون الطرف الثالث هذا على الحياد وقوي بحيث يستطيع أن ينصر الطرف المعتدَى عليه؟ أم هو مع طرف دون الآخر ينصره أيًّا كان وضعه؟

 وهذا الأمر في غاية الأهمية، فإذا لم يملك المسلمون القوة الكافية للردع عند المخالفة فلا معنى إذن للمعاهدة.

 معاهدة صلح الحديبية ومعاهدات المسلمين حديثًا:

ما مضى يجعلنا نقف بعض الشيء ونراجع أنفسنا قليلاً، ونحلل بعيدًا عن العصبية معاهدة صلح الحديبية بالمقارنة بمعاهدات المسلمين مع اليهود في زماننا هذا.

 وكما نعلم فإن أشهر هذه المعاهدات هي (كامب ديفيد) وكانت البداية، ثم تلا ذلك معاهدات كثيرة لعل أشهرها (معاهدة أوسلو)، ومعاهدة (خريطة الطريق)، وغيرها مما حدث بين المسلمين واليهود.

ففي هذه المعاهدات أُقر اليهود فيها على باطل، وهو امتلاكهم لأرض فلسطين أو لجزء منها، والتي كان المسلمون جميعهم مقتنعين تمام الاقتناع أنها أرض إسلامية أو عربية -كما يقولون- ثم بعد هذه المعاهدات أقر بعض المسلمين أن جزءًا من أرض فلسطين لم يعُدْ ملكًا للمسلمين، وإنما صار ملكًا لليهود.

وفي هذه المعاهدات أيضًا قُلِب العداء بين المسلمين واليهود إلى صداقة وموالاة، وبالطبع كان لا بد أن يتبع هذا رفع عداوة اليهود من مناهج التعليم ومراكز الإعلام، فيخرج جيل من المسلمين لا يعرف عدوَّه من صديقه، وهو أمر غاية في الخطورة.

وفي هذه المعاهدات لم يحدد المسلمون فترة زمنية معينة، وإنما تركت للسلام الدائم مهما حدث ومهما يحدث، وهذا أغرب من الخيال.

وفي هذه المعاهدات لم يعترف اليهود بالأحلاف التي بين المسلمين والدول الأخرى؛ ففي (كامب ديفيد) -مثلاً- لم يعترف اليهود بمعاهدات مصر مع الدول الأخرى، ومعنى هذا أنه لو حدث وحاربت إسرائيل دولة أخرى من دول العالم الإسلامي فليس لمصر أن تعترض؛ وذلك لأن بنود المعاهدة تقر بأنه ليس هناك حرب بين إسرائيل ومصر.

 وقد حدث بعد ذلك أن غزت إسرائيل لبنان -بعد كامب ديفيد بسنوات قليلة جدًّا- في سنة 1982م، ولم تستطع مصر أن تدافع عنها بجيشها، رغم ما كان من وجود (معاهدة دفاع مشترك) بين مصر ولبنان، كان قد أقرها ميثاق جامعة الدول العربية.

 وكان مرجع ذلك أن هذا العقد عُقد ولم يكن للمسلمين القوة الكافية للردع حال المخالفة، بل إن (سيناء) التي كانت محل النزاع لم يُترك فيها جيش مصري وفق بنود الاتفاقية، وأقصى مسافة له من الممكن أن يوجد بها تكون على بُعد خمسة كيلو مترات من قناه السويس، بينما يوجد جيش اليهود على بُعد ثلاثة كيلو مترات من رفح.

هذا وقد ظلت سيناء المصرية بكاملها خالية من السلاح وخالية من الجيش، مع أنه من المفترض أنها أصبحت أرضًا مصرية، وبالتالي فإن الجنود المصريين أو المسلمين يكونون عند الإسماعيلية وبورسعيد والسويس، وجنود إسرائيل يكونون عند رفح، ومعنى هذا أنه في أي لحظة من لحظات التعدي فسرعان ما يكون الجنود اليهود في سيناء.

وقد رأينا ذلك حين حدثت مخالفة في داخل رفح، إذ لم يستطع المصريون المقاومة المسلحة بسبب بُعد الجيش؛ إذ كان من المفترض أن يكون على بُعد ثلاثة كيلو مترات من رفح كما هو الحال عند اليهود، ما دامت (رفح) هي الحد الفاصل.

وإن تعجب من هذا فأعجب منه أن الذي يراقب هذا العهد هي أمريكا الموالية لإسرائيل والأمم المتحدة المؤسَّسة لأجل إسرائيل كما نرى بأعيننا، ثم الأخطر من كل ما سبق أن في هذه المعاهدة تم أول اعتراف بدولة إسرائيل كدولة مستقلة فوق أرض فلسطين.

وذلك من قِبل دولة من أكبر دول المنطقة وهي مصر، وإن هذا ليُعَدّ من أكبر وأفضل إنجازات اليهود على مدى الخمسين سنة الأخيرة؛ إذ إنه قبل كامب ديفيد كان المسلمون جميعًا يطلقون على اليهود مصطلح (الكيان الصهيوني) أو يطلقون عليهم اسم (المحتلين اليهود)، أما بعد كامب ديفيد لم تعُدْ إلا (دولة إسرائيل)، وقد أصبح لها سفارات في معظم دول العالم الإسلامي.

أيضًا كان من المفارقات بين صلح الحديبية وكامب ديفيد أن نتائج كلٍّ منهما كانت مختلفة تمامًا عن الأخرى، فبعد كامب ديفيد واعتراف مصر بإسرائيل، تم فصل مصر تمامًا عن العالم العربي، ومقاطعتها من قِبل أشقائها، وحدث شقاق كبير في الصفِّ المسلم.

أما بعد صلح الحديبية فقد حدث العكس تمامًا؛ فقد دخل مسلمو اليمن في الدولة الإسلامية، وعاد مسلمو الحبشة إليها أيضًا، ثم بعد ذلك توافدت القبائل المسلمة، الأمر الذي حدث معه وَحْدة وليس فُرقة.

 لقد كان صلح الحديبية بالفعل يشبه كامب ديفيد، لكن كان ذلك بطريقة عكسية؛ وهذا يعني أن اليهود حققوا الفوائد التي حققها المسلمون من صلح الحديبية، أما المسلمون في زماننا فقد خسروا الخسائر التي خسرتها قريش فيها. ولا حول ولا قوة إلا بالله!!

 الكاتب: د. راغب السرجاني

المصدر: موقع قصة الإسلام